فصل: بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ وَمَوْتِ الْمَوْلَى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ وَمَوْتِ الْمَوْلَى:

قَالَ: (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْبِضُهُ أَوْ مَالٌ يَقْدَمُ عَلَيْهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَعْجِيزِهِ وَانْتَظَرَ عَلَيْهِ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَطَلَبَ الْمَوْلَى تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ فِي الرِّقِّ عَلَّقَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْقَاقٍ حَتَّى كَانَ أَحْسَنُهُ مُؤَجَّلَهُ وَحَالَةُ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ اسْتِيسَارًا، وَأَوْلَى الْمُدَدِ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ، وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ الْعَجْزُ، لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ يَكُونُ أَعْجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمَيْنِ، وَهَذَا، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْوُصُولُ إلَى الْمَالِ عِنْدَ حُلُولِ نَجْمٍ، وَقَدْ فَاتَ فَيُفْسَخُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِدُونِهِ، بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا، وَالْآثَارُ مُتَعَارِضَةٌ فَإِنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ مُكَاتَبَةً لَهُ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَاحِدٍ فَرَدَّهَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا.
الشرح:
بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ:
قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ، رُدَّ فِي الرِّقِّ.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ الْحَارِثِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا تَتَابَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ فَلَمْ يُؤَدِّ نُجُومَهُ، رُدَّ فِي الرِّقِّ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُكَاتَبَةً لَهُ عَجَزَتْ عَنْ نَجْمٍ، فَرَدَّهَا.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا مِائَةً، فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ. انْتَهَى.
قَالَ: (فَإِنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ فَعَجَزَ فَرَدَّهُ مَوْلَاهُ بِرِضَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ)، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبِالْعُذْرِ أَوْلَى.
قَالَ: (وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ)، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ.
قَالَ: (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ) لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ (وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ)، لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَهَذَا، لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَوْلَاهُ وَقَدْ زَالَ التَّوَقُّفُ.
قَالَ: (فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ وَقَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَيَعْتِقُ أَوْلَادُهُ) وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ لِمَوْلَاهُ، وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَتَبْطُلُ، وَهَذَا، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُثْبِتَ بَعْدَ الْمَمَاتِ مَقْصُودًا أَوْ يُثْبِتَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مُسْتَنِدًا لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ، وَلَا إلَى الثَّالِثِ لِتَعَذُّرِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ.
وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى، فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ.
وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْعَقْدِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَزِمَ الْعَقْدُ فِي جَانِبِهِ وَالْمَوْتُ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ عَلَى مَا عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ مَالٌ: يَقْضِي مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَيَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِ عَبْدٍ.
قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا، قُسِّمَ مَا تَرَكَ عَلَى مَا أَدَّى، وَعَلَى مَا بَقِيَ، فَمَا أَصَابَ مَا أَدَّى فَلِلْوَرَثَةِ، وَمَا أَصَابَ مَا بَقِيَ فَلِمَوَالِيهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: يُؤَدَّى إلَى مَوَالِيه مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ، وَلِوَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: الْمُكَاتَبُ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ، وَيَدَعُ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ، قَالَ: يُقْضَى عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَلِبَنِيهِ، فَقُلْت: أَبَلَغَك هَذَا عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقْضِي بِهِ.
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُقْضَى عَنْهُ مَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لِبَنِيهِ مَا بَقِيَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا أَرَاهُ لِبَنِيهِ، وَإِنَّمَا لِسَيِّدِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَقُولُ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ. انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ قَابُوسَ بْنِ الْمُخَارِقِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ عَلَى مِصْرَ، لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ إلَى عَلِيٍّ فِي مُكَاتَبٍ مَاتَ، وَتَرَكَ مَالًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ: خُذْ مِنْهُ بَقِيَّةَ مُكَاتَبَتِهِ، فَادْفَعْهَا إلَى مَوَالِيهِ، وَمَا بَقِيَ فَلِعَصَبَتِهِ، انْتَهَى.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحُدُودِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَتَبَ إلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ عَنْ مُسْلِمَيْنِ تَزَنْدَقَا، وَعَنْ مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ، وَعَنْ مُكَاتَبٍ مَاتَ وَتَرَكَ بَقِيَّةً مِنْ كِتَابَتِهِ، وَأَوْلَادًا أَحْرَارًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ: أَمَّا اللَّذَيْنِ تَزَنْدَقَا، فَإِنْ تَابَا، وَإِلَّا فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ، فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَادْفَعْ النَّصْرَانِيَّةَ إلَى أَهْلِ دِينِهَا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَيُؤَدِّي بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ، وَمَا بَقِيَ فَلِوَلَدِهِ الْأَحْرَارِ. انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ سَعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ، فَإِذَا أَدَّى حَكَمْنَا بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَعِتْقِ الْوَلَدِ)، لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى فِي الْكِتَابَةِ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالَّةً أَوْ تُرَدَّ رَقِيقًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ إلَى أَجَلِهِ اعْتِبَارًا بِالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إعْتَاقَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَكْسَابِهِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَدْخُلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ الْعَقْدَ وَلَا يَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهِ لِانْفِصَالِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقْتَ الْكِتَابَةِ فَيَسْرِي الْحُكْمُ إلَيْهِ وَحَيْثُ دَخَلَ فِي حُكْمِهِ سَعَى فِي نُجُومِهِ.
(فَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ)، لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ يُحْكَمُ بِحُرِّيِّةِ ابْنِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبِيهِ فِي الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ هَذَا حُرًّا يَرِثُ عَنْ حُرٍّ (وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ وَابْنُهُ مُكَاتِبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً)، لِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ تَبَعٌ لِأَبِيهِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا جُعِلَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا حُكِمَ بِحُرِّيِّةِ الْأَبِ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ: (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ وَتَرَكَ دَيْنًا وَفَاءً بِمُكَاتَبَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقَضَى بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ)، لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّتِهَا إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيُنْجَزَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرَّرُ حُكْمُهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا.
(وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ)، لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودٌ، وَذَلِكَ يُبْتَنَى عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا، فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ الْوَلَاءُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِذَا بَقِيَتْ وَاتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ مَاتَ حُرًّا وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَهَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ، فَلِهَذَا كَانَ تَعْجِيزًا.
قَالَ: (وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ طَيِّبٌ لِلْمَوْلَى لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ يَتَمَلَّكُهُ صَدَقَةً وَالْمَوْلَى عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَاحَ لِلْغَنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمِلْكُ فَلَا نُطَيِّبُهُ، وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَبَاحَ لِغَيْرِهِ لَا يَطِيبُ لَهُ وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ، وَلَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ بِالْعَجْزِ يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَجْزِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْمَوْلَى عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ لَا خُبْثَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا الْخُبْثُ فِي فِعْلِ الْأَخْذِ لِكَوْنِهِ إذْلَالًا بِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَنِيِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلِلْهَاشِمِيِّ لِزِيَادَةِ حُرْمَتِهِ وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى وَطَنِهِ وَالْفَقِيرُ إذَا اسْتَغْنَى وَقَدْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمَا مَا أَخَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ وَاسْتَغْنَى يَطِيبُ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي يَدِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُرْمَةٌ عَلَى النَّارِ، فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ، وَإِدَامٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ؟ فَقِيلَ: لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ عَجَزَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَوْ يَفْدِي)، لِأَنَّ هَذَا مُوجِبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الدَّفْعِ فَإِذَا زَالَ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ (وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ حَتَّى عَجَزَ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ.
(وَإِنْ قَضَى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ دَيْنٌ يُبَاعُ فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُبَاعُ فِيهِ، وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْجِنَايَةِ، فَكَمَا وَقَعَتْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ كَمَا فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَانِعَ قَابِلٌ لِلزَّوَالِ لِلتَّرَدُّدِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ فِي الْحَالِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى الْقَضَاءِ لِتَرَدُّدِهِ وَاحْتِمَالِ عَوْدِهِ كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الزَّوَالَ بِحَالٍ.
قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ إذْ الْكِتَابَةُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَسَبَبُ حَقِّ الْمَرْءِ حَقُّهُ.
(وَقِيلَ لَهُ أَدِّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى عَلَى نُجُومِهِ)، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ كَذَلِكَ فَيَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ إلَّا أَنَّ الْوَرَثَةَ يُخْفُونَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ.
(فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهَذَا، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْلَكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَذَا بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ، وَإِنْ أَعْتَقُوهُ جَمِيعًا عَتَقَ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ، وَإِذَا بَرِئَ الْمُكَاتَبُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ، كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَا يَصِيرُ إبْرَاءً عَنْ نَصِيبِهِ، لِأَنَّا نَجْعَلُهُ إبْرَاءَ اقْتِضَاءٍ تَصْحِيحًا لِعِتْقِهِ وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ بِإِبْرَاءِ الْبَعْضِ أَوْ أَدَائِهِ فِي الْمُكَاتَبِ لَا فِي بَعْضِهِ وَلَا فِي كُلِّهِ وَلَا وَجْهَ إلَى إبْرَاءِ الْكُلِّ لِحَقِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْوَلَاءِ:

الْوَلَاءُ نَوْعَانِ: وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ نِعْمَةٍ، وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَرِيبُهُ عَلَيْهِ بِالْوِرَاثَةِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ وَسَبَبُهُ الْعَقْدُ، وَلِهَذَا يُقَالُ: وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ، وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا التَّنَاصُرُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَتَنَاصَرُ بِأَشْيَاءَ وَقَرَّرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَنَاصُرَهُمْ بِالْوَلَاءِ بِنَوْعَيْهِ، فَقَالَ: «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَحَلِيفَهُمْ مِنْهُمْ» وَالْمُرَادُ بِالْحَلِيفِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَكِّدُونَ الْمُوَالَاةَ بِالْحَلِفِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مَمْلُوكَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِهِ فَيَعْقِلُهُ، وَقَدْ أَحْيَاهُ مَعْنًى بِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْهُ فَيَرِثُهُ وَيَصِيرُ الْوَلَاءُ كَالْوِلَادِ، وَلِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَعْتِقُ لِمَا رَوَيْنَا «وَمَاتَ مُعْتَقٌ لِابْنَةِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْهَا وَعَنْ بِنْتٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَيَسْتَوِي فِيهِ الْإِعْتَاقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ: (فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ سَائِبَةٌ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)، لِأَنَّ الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَلَا يَصِحُّ.
الشرح:
كِتَابُ الْوَلَاءِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَحَلِيفَهُمْ مِنْهُمْ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ.
فَحَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ مِنْهُمْ، وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ» انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِسُورَةِ (الْأَنْفَالِ)، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَلَفْظُهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: اجْمَعْ لِي قَوْمَك، فَجَمَعَهُمْ، فَلَمَّا حَضَرُوا بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: قَدْ جَمَعْت لَك قَوْمِي، فَسَمِعَ ذَلِكَ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: قَدْ نَزَلَ فِي قُرَيْشٍ الْوَحْيُ، فَجَاءَ الْمُسْتَمِعُ، وَالنَّاظِرُ، مَا يُقَالُ لَهُمْ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فِينَا حَلِيفُنَا، وَابْنُ أُخْتِنَا، وَمَوَالِينَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَلِيفُ الْقَوْمِ»، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا زُرَيْقُ بْنُ السُّحْتِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ مِنْهُمْ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: فَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا مَعَهُمْ، فَدَخَلَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: اُدْخُلُوا عَلَيَّ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيَّ إلَّا قُرَشِيٌّ، قَالَ: فَتَسَالَلْتُ فَدَخَلَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ مَعَكُمْ أَحَدٌ لَيْسَ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعَنَا ابْنُ الْأُخْتِ، وَالْمَوْلَى، وَالْحَلِيفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ، وَمَوْلَاهُمْ مِنْهُمْ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَلِيفُ أَيْمَانٌ كَانُوا يَتَحَالَفُونَهَا عَلَى أَنْ يَلْزَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعُمَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بَشِيرٍ الشَّامِيُّ ثَنَا عُمَرُ أَبُو حَفْصٍ ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا لِقُرَيْشٍ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: ابْنُ أُخْتِنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، قَالَ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَحَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْعَبْدِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، فَذَكَرَهُ.
وَرَدَّ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا الْقَوْلَ أَعْنِي التَّوَارُثَ بِالْحَلِفِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ»، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْفَضَائِلِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا لَمَّا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ اشْتَرَطَ أَهْلُهَا أَنَّ وَلَاءَهَا لَهُمْ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُكَاتَبِ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي الْعِتْقِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْوَلَاءِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تَعْتِقُهَا، فَأَبَى أَهْلُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْوَلَاءُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُكَاتَبِ وَفِي الْفَرَائِضِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ {مَاتَ مُعْتَقٌ لِابْنَةِ حَمْزَةَ عَنْهَا، وَعَنْ بِنْتٍ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ}.
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُمَامَةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَحَدِيثُ أُمَامَةَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنَيْهِمَا فِي الْفَرَائِضِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ: «مَاتَ مَوْلًى لِي، وَتَرَكَ ابْنَةً لَهُ، فَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ وَلَهَا النِّصْفَ»، انْتَهَى.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ «أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ مَمْلُوكًا لَهَا، فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَمَوْلَاتَهُ»، الْحَدِيثَ.
قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْخَطَإِ. انْتَهَى.
وَابْنَةُ حَمْزَةَ هَذِهِ اسْمُهَا أُمَامَةُ، صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَهُوَ أَخُو أُمَامَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ لِأُمِّهَا عَنْ أُخْتِهِ أُمَامَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَسَكَتَ عَنْهُ، هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ اسْمُهَا أُمَامَةُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ: إنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ حَمْزَةَ هَذِهِ أُمَامَةَ، فَلَا أَدْرِي مَنْ هِيَ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ: «مَاتَ مَوْلًى لِي وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، فَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ وَلَهَا النِّصْفَ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا وَجَدْته فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ: اسْمُهَا فَاطِمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا ابْنَةُ حَمْزَةَ؟ كَانَتْ أُخْتِي لِأُمِّي، وَأَنَّهَا لَأَعْتَقَتْ مَمْلُوكًا لَهَا، فَتُوُفِّيَ، وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَمَوْلَاتَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْمُنْقِرِيُّ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ مَوْلًى لِحَمْزَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، وَابْنَةَ حَمْزَةَ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَلِابْنَةِ حَمْزَةَ النِّصْفَ»، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هَذَا هُوَ الشَّاذَكُونِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفُوهُ، وَكَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ عِنْدِي أَضْعَفُ مِنْ كُلِّ ضَعِيفٍ، انْتَهَى.
وَفِي هَذَا الْمَتْنِ أَنَّ الْمَوْلَى لِحَمْزَةَ، وَفِي مَتْنِ النَّسَائِيّ أَنَّ الْمَوْلَى لِابْنَتِهِ، وَأَنَّهَا الَّتِي أَعْتَقَتْهُ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: «تُوُفِّيَ مَوْلًى لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَ حَمْزَةَ النِّصْفَ، وَقَبَضَ النِّصْفَ»، انْتَهَى.
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ: (وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى)، لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِمَا بَاشَرَ مِنْ السَّبَبِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فِي الْمُكَاتَبِ (وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ)، لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَفِعْلِهِ وَالتَّرِكَةُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ (وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ)، لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ.
(وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ (وَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْعِتْقُ عَلَيْهِ.
(وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا)، لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مُعْتَقِ الْأُمِّ مَقْصُودًا إذْ هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا يَقْبَلُ الْإِعْتَاقَ مَقْصُودًا فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ عَنْهُ عَمَلًا بِمَا رَوَيْنَا (وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ (أَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ)، لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ يَتَعَلَّقَانِ مَعًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَالَتْ رَجُلًا وَهِيَ حُبْلَى وَالزَّوْجُ وَالَى غَيْرَهُ، حَيْثُ يَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ، لِأَنَّ الْجَنِينَ غَيْرُ قَابِلٍ لِهَذَا الْوَلَاءِ مَقْصُودًا، لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ.
قَالَ: (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدًا فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ)، لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِاتِّصَالِهِ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الْوَلَاءِ وَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِقِيَامِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى يَعْتِقَ مَقْصُودًا.
(فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ، وَانْتَقَلَ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ)، لِأَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلْأُمِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهَذَا، لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» ثُمَّ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَالنِّسْبَةُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ كَانَتْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَبِ ضَرُورَةً، فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ضَرُورَةً، فَإِذَا أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ حَيْثُ يَكُونُ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمُوَالَى الْأُمِّ وَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدِ الْمَوْتِ، وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِالشَّكِّ فَأَسْنَدَ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَعَتَقَ مَقْصُودًا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الْأَبَ يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، وَلِلْعَبْدِ بَنُونَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: هُمْ مَوَالِيَّ، وَقَالَ: مَوَالِي أُمِّهِمْ هُمْ مَوَالِينَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لِلزُّبَيْرِ مَوْلَاهُمْ. انْتَهَى.
مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ، نَحْوُهُ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ حِفْظِهِ، فَزَلَّ عَنْ ذِكْرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي إسْنَادِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ»، هَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ وَهْمٌ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ جَمِيعًا، وَأَصَحُّ مَا فِيهِ حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ»، وَهُوَ مُرْسَلٌ انْتَهَى كَلَامُهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْإِخْمِيمِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: هَكَذَا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ نَفْسِهِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخَرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ إلَّا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِعُبَيْدِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: كَانَ كَذَّابًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ»، إلَى آخِرِهِ سَوَاءٌ، وَأَعَلَّهُ بِيَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ثِقَةٌ، وَقَالَ فِي أَخِيهِ يَحْيَى هَذَا: إنَّهُ كَذَّابٌ، وَوَافَقَهُمْ ابْنُ عَدِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: رَوَى أَبُو إسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ»، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُهُ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَهِبَتِهِ»، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الزَّرَّادِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَوَهَمَ ابْنُ زِيَادٍ فِي قَوْلِهِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَخَالَفَهُ يَعْقُوبُ بْنُ كَاسِبٍ، فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَهَذَا أَشْبَهُ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَعْوَرُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ: «لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ»، فَزَادَ فِيهِ: وَلَا يُورَثُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَقِيلَ فِيهِ: عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ ذِكْرُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ: «وَلَا يُورَثُ».
(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ)، لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا تَبَعًا لِأُمِّهِمْ وَلَا عَاقِلَةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا مَوَالِيَ فَأُلْحِقُوا بِمَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إلَى نَفْسِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا)، لِأَنَّهُمْ حِينَ عَقَلُوهُ كَانَ الْوَلَاءُ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَبِ مَقْصُودًا، لِأَنَّ سَبَبَهُ مَقْصُودٌ وَهُوَ الْعِتْقُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَكَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى ذَلِكَ فَيَرْجِعُونَ.
قَالَ: (وَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى).
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا، لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى.
وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ، وَلِهَذَا لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالنَّسَبِ وَالْقَوِيُّ لَا يُعَارِضُهُ الضَّعِيفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، لِأَنَّ أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ وَالْعَقْلِ كَمَا أَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِهَا فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَلَاءِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ، وَالْوَضْعُ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا.
(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: نَبَطِيٌّ كَافِرٌ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةٍ كَافِرَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّبَطِيُّ وَوَالَى رَجُلًا ثُمَّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: مَوَالِيهِمْ مَوَالِي أُمِّهِمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَوَالِيهِمْ مَوَالِيَ أَبِيهِمْ)، لِأَنَّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَصَارَ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوَالِي وَبَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ أَضْعَفُ حَتَّى يَقْبَلَ الْفَسْخَ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ لَا يَقْبَلُهُ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ وَلَوْ كَانَ الْأَبَوَانِ مُعْتَقَيْنِ فَالنِّسْبَةُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ، لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِهِ لِشُبْهَةٍ بِالنَّسَبِ أَوْ، لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِ أَكْثَرُ.
قَالَ: (وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ «هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَشَرٌّ لَهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتُهُ».
وَوَرِثَ ابْنَةَ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْعُصُوبَةِ مَعَ قِيَامِ وَارِثٍ، وَإِذَا كَانَ عَصَبَةً تَقَدَّمَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُعْتِقِ)، لِأَنَّ الْمُعْتِقَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، وَهَذَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا» قَالُوا الْمُرَادُ مِنْهُ وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي فَتَأَخَّرَ عَنْ الْعَصَبَةِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُعْتِقِ).
تَأْوِيلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ ذُو حَالٍ أَمَّا إذَا كَانَ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ، لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ عَلَى مَا رَوَيْنَا وَهَذَا، لِأَنَّ الْعَصَبَةَ مَنْ يَكُونُ التَّنَاصُرُ بِهِ لِبَيْتِ النِّسْبَةِ، وَبِالْمَوَالِي الِانْتِصَارُ عَلَى مَا مَرَّ وَالْعَصَبَةُ تَأْخُذُ مَا بَقِيَ.
(فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِبَنِي الْمَوْلَى دُونَ بَنَاتِهِ، وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ) بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي آخِرِهِ: «أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ» وَصُورَةُ الْجَرِّ قَدَّمْنَاهُ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقُوَّةَ فِي الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهَا، فَيُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ إلَيْهَا وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مَوْلَاهَا، بِخِلَافِ النَّسَبِ، لِأَنَّ سَبَبَ النِّسْبَةِ فِيهِ الْفِرَاشُ، وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ إنَّمَا هُوَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ لَا مَالِكَةٌ وَلَيْسَ حُكْمُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ مَقْصُورًا عَلَى بَنِي الْمَوْلَى بَلْ هُوَ لِعَصَبَةِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ وَيَخْلُفُهُ فِيهِ مَنْ تَكُونُ النُّصْرَةُ بِهِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى أَبًا وَابْنًا فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُهُمَا عُصُوبَةً.
وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ دُونَ الْأَخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ عِنْدَهُ وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ حَتَّى يَرِثَهُ دُونَ أَخِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ عَقْلَ جِنَايَةِ الْمُعْتَقِ عَلَى أَخِيهَا، لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَتِهَا (وَلَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى ابْنًا وَأَوْلَادَ ابْنٍ آخَرَ) مَعْنَاهُ بَنِي ابْنِ آخَرَ (فَمِيرَاثُ الْمُعْتَقِ لِلِابْنِ دُونَ بَنِي الِابْنِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَمَعْنَاهُ الْقُرْبُ عَلَى مَا قَالُوا وَالصُّلْبِيُّ أَقْرَبُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ: هُوَ أَخُوك، وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك، فَهُوَ خَيْرٌ لَك، وَشَرٌّ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا، كُنْت أَنْتَ عَصَبَتُهُ».
قُلْت: رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ الْحَسَنِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: إنِّي اشْتَرَيْت هَذَا فَأَعْتَقْته، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ قَالَ: أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَخَيْرٌ لَك، قَالَ: فَمَا تَرَى فِي مَالِهِ؟ قَالَ: إنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا فَلَكَ مَالُهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: «أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا، فَلَمْ يَقْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ بَيْعٌ، وَحَلَفَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِعِتْقِهِ، فَاشْتَرَاهُ، فَأَعْتَقَهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَخَيْرٌ لَك، قَالَ: فَكَيْفَ بِمِيرَاثِهِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ، فَهُوَ لَك»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرِثَ ابْنَةَ حَمْزَةَ عَلَى سَبِيلِ الْعُصُوبَةِ مَعَ قِيَامِ وَارِثٍ».
قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا بِجَمِيعِ طُرُقِهِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ تَقْدِيمُهُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ يَعْنِي مَوْلَى الْعَتَاقَةِ.
قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ يُوَرِّثُ الْمَوَالِيَ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثَانِ ذَوِي الْأَرْحَامِ دُونَ الْمَوَالِي.
قُلْت: فِعْلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ: كَانَ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ، أَوْ دَبَّرْنَ، أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ، أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ مِنْ الْعَصَبَةِ، وَلَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ، إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَزَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ، إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، انْتَهَى.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا كَاتَبْنَ، أَوْ أَعْتَقْنَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَأَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، كَقَوْلِ الْحَسَنِ الْمُتَقَدِّمِ.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِدَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُهُمْ.
قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ مِنْ الْعَصَبَةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ، قَالَ: يَعْنُونَ بِالْكَبِيرِ مَا كَانَ أَقْرَبَ بِأُمٍّ وَأَبٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ حَزْمٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ، انْتَهَى.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ لِأَقْعَدِ النَّاسِ بِالْمُعْتَقِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُعْتِقُ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرُ: قَالَ يَعْقُوبُ: الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ بِضَمِّ الْكَافِّ وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ الْمُعْتِقِ، انْتَهَى.
وَفِي الْمُوَطَّإِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْعَاصِ بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ، وَتَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ: اثْنَانِ لِأُمٍّ، وَرَجُلٌ لِعِلَّةٍ، فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لِأُمٍّ، وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ، فَوَرِثَهُ أَخُوهُ الَّذِي لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، مَالَهُ وَمَوَالِيَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ، وَوَلَاءُ الْمَوَالِي، وَتَرَكَ ابْنًا، وَأَخًا لِأَبِيهِ، فَقَالَ ابْنُهُ: قَدْ أَحْرَزْت مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنْ الْمَالِ، وَوَلَاءِ الْمَوَالِي، وَقَالَ: أَخُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ، وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا، أَرَأَيْت لَوْ هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْت أَرِثُهُ؟ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي، انْتَهَى.
وَيُنْظَرُ فِي مُطَابَقَتِهِ لِلَفْظِ الْكِتَابِ.